أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 أحدث المواضيع

حج بلا تصريح.. أزمات وراء الأرقام الرسمية


بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، فإن أعلى رقم تم تداوله بشأن عائدات موسم الحج بلغ نحو 12 مليار دولار، وهو ما يُمثل 30٪ فقط من إجمالي إنفاق الحجاج، لكن المفارقة أن الدولة لا تستفيد مباشرة سوى من رسوم تأشيرات الحج لمن يحجون للمرة الثانية فأكثر، والتي تقدر بحوالي 225 مليون دولار فقط، في حال بلغ عدد الحجاج 2.5 مليون. أما 70٪ من الإنفاق، أي ما يعادل 25.2 مليار دولار، فيتم خارج المملكة، بينما الجزء المتبقي يذهب للقطاع الخاص المحلي.

مواسم الاستعداد والتحديات المتكررة

مع اقتراب موسم الحج، بدأت مكة بالتحضيرات منذ 29 أبريل، وتُتوقع أعداد تتجاوز المليوني حاج هذا العام، وككل موسم، تظهر تحديات مزمنة تتعلق بالحج دون تصريح، وحملات الحج الوهمية التي يقع ضحيتها المواطنون والمقيمون وحتى مخالفو أنظمة الإقامة. وزارة الحج والعمرة نجحت في تنظيم المسألة عبر بوابة إلكترونية موحدة تُعرف بـ**(نسك حج)**، حيث يمكن تقديم الطلبات من نحو 126 دولة، وتتسابق 35 شركة معتمدة لتقديم الخدمات، من نقل وإعاشة إلى الطيران.

في الماضي، كانت بعض مكاتب السياحة في دول الحجاج ومؤسسات الطوافة المحلية تحتكر الخدمات والأسعار بلا رقابة فعلية، لكن ذلك تغيّر ضمن إطار رؤية المملكة 2030 التي سعت إلى العدالة والتنظيم وتوسيع الخيارات.

لماذا تصريح الحج ضرورة لا يمكن تجاهلها؟

تجربة موسم حج 2024 أظهرت ضبط 300 ألف مخالف لا يملكون تصاريح، هؤلاء يشكلون خطراً مزدوجاً: الأول يتمثل في خرق النظام، والثاني في زعزعة التوازن الصحي واللوجستي، الأبحاث التي تناولت أكثر من 150 دراسة على تجمعات بشرية بين 1971 و2011، تؤكد أن الازدحام العشوائي كان سببًا رئيسيًا للكوارث والأزمات.

خلال مواسم الحج من 2013 إلى 2018، وُجد أن لكل 464 حاجًا طبيب واحد فقط، أي زيادة غير مدروسة في الأعداد، ولو بنسبة 10٪ فقط، ستُفاقم الضغوط على النظام الصحي، خاصة وأن معظم الحجاج من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وفي مشعر عرفة تحديدًا، قد تصل الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ما يجعل كل ثانية حرجة لإنقاذ حياة.

تشير الدراسات إلى أن الحد المثالي لتقديم الإسعافات الأولية لا يجب أن يتجاوز 4 دقائق، والحد الأقصى لنقل مريض إلى مستشفى هو 30 دقيقة، أما من يحجّون دون تصريح، فلا يدخلون ضمن أي حسابات تنظيمية، ما يُحدث زحامًا غير محسوب ويهدد الأرواح.

الأرقام تتحدث: مكة الأعلى كثافة

للمقارنة، تُعد مدينة مانيلا في الفلبين من أكثر المدن ازدحامًا في العالم بكثافة تبلغ 40 ألف شخص لكل كيلومتر مربع، بينما تصل الكثافة في منى خلال الحج إلى نحو مليون شخص لكل كيلومتر مربع! ولهذا فإن تصاريح الحج لا تُعتبر ورقة ثانوية، بل هي أداة قياس حيوية تساعد في التخطيط الصحي والخدمي، وضمان سلاسة وأمان التجربة الدينية.

التاريخ يشهد: من دعا للتعاون ومن تخلّف عن النصرة؟

يدّعي البعض بضرورة "إدارة إسلامية" موسعة للحج، لكن هؤلاء تجاهلوا دعوة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – التي وجهها للعالم الإسلامي في 11 يونيو 1926، عبر صحيفة "أم القرى"، والتي طلب فيها المساعدة في إدارة الحرمين وتطويرهما، دون أن يتلقَ أي استجابة، بل إن رفض التعاون في حد ذاته يُعد اعترافًا ضمنيًا بأحقية المملكة في إدارة الأماكن المقدسة.

أما آخر توسعة كبيرة للحرم المكي، فقد تمت في القرن الرابع الهجري، أيام الخليفة العباسي المقتدر بالله، ومنذ ذلك الحين، ظلّت الأدوار شكلية حتى جاء العهد السعودي، الذي شهد ثلاث توسعات كبرى، وارتفعت أعداد الحجاج من 128 ألفًا في 1964 إلى مليون في 1979، ثم مليوني حاج في 1995، لتستقبل المملكة أكثر من 99 مليون حاج خلال 54 عامًا.

 كفى ترويجًا للأكاذيب

موسم الحج لا يُقاس بالعائدات فقط، بل بقيمته الدينية والإنسانية والتنظيمية، وما يُروج له من أرقام أو اتهامات موسمية ما هو إلا تشويش إعلامي فارغ، يتجاهل حقائق التاريخ، ويُقلل من حجم الجهود السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، فالحج عبادة مقدسة، وتنظيمه مسؤولية ضخمة تتطلب التخطيط والدقة.. لا الشعارات.

nor
nor
تعليقات